بقلم 🖊
الأستاذ الدكتور/ أحمد الشرقاوي
رئيس الإدارة المركزية لشؤون التعليم بقطاع المعاهد الأزهرية
ينبغي أن تسهم رسالة التعليم في جميع المؤسسات التعليمية وغيرها في نشر ثقافة التراحم الوظيفي بين المرؤسين ورؤسائهم، على نحو يمنع من إساءة استعمال السلطة أو استغلالها أو الانحراف بها عن مسارها المحدد لها طبقا للقواعد القانونية والضوابط الأخلاقية المعتبرة في هذا الشأن، والتراحم الوظيفي يعنى حسن المعاملة في كل ما يتصل بدائرة العمل أمرا أو نهيا أو تكليفا أو توكيلا أو تفويضا، فضلا عن عدم استغلال رئيس العمل لضعف المرؤوسين العاملين تحت رئاسته، على سبيل التقليل من شأنهم، وبخس حقوقهم، والنيل من كرامتهم، أو الطعن في أعراضهم، أو التحدث في سمعتهم وسيرتهم، أو التجاوز في حق أولادهم وأسرهم ، أو خذلاناهم بعدم إنصافهم بين قرنائهم وتضييع حقوقهم أو تفويت الفرص عليهم بخلاف زملائهم، وغير ذلك مما يخالف الفطرة الإنسانية السليمة، ويناقض القواعد الأخلاقية المعتبرة، فضلا عن مخالفة القانون وقواعدة الرئيسة الحاكمة لمنظومة الأعمال الرسمية في المؤسسات المختلفة، وهذا ما يتولد منه التباغض، ويزداد به التشاحن والتقاطع بين العاملين، بل قد يصل الأمر إلى حد التضارب والتقاتل، وما كان هذا إلا بسبب تصرفات مقيتة، تجري بين الأعضاء في دوائر العمل، وهذا إنما يؤثر سلبا على العلاقات الإنسانية في الدوائر الوظيفية، ويمكن أن ينتقل ذلك إلى الدوائر الأسرية خارج دائرة العمل، وهذا كله يؤدي إلى تأخر النتاج الفعلي المأمول تحقيقه من أبناء المؤسسات المعنية سيما المؤسسات التعليمية، التي تقوم على بيان العلم ونشره بين أهله وإرساء العدل ودفعه إلى مستحقه، فإذا ما بدا الضعف في هذه النواحي داخل المؤسسات التعليمية فكيف تصل رسالة التعليم إلى عمق المجتمع، الذي ينتظر أن تكون هناك نواتج للتعلم، تنتشر منها القيم الإيجابية العامة، فرسالة التعليم الأصيلة مقصودها إيصال الخير إلى الغير دون إفراط أو تفريط، من هنا فقد وجب التنبيه إلى أهمية إجراء هذا التراحم الوظيفي بين الناس، سيما في المؤسسات التعليمية، ويحضرني في هذا المقام
قول النبي – صلى الله عليه وسلم-: ” لَنْ تُؤْمِنُوا حتى تراحمُوا قالوا: يا رسولَ اللهِ ! كلُّنا رَحِيمٌ. قال: إنَّهُ ليس بِرَحْمَةِ أَحَدِكُمْ صاحبَهُ، ولَكِنَّها رَحْمَةُ العَامَّة” (رواه الطبراني).
إن كمال الإيمان أن تكون رحيما مع جميع الناس، ليس لأحد من الناس بعينه تربطك به قرابة أو تربطك به علاقة، ولكن يجب ألا تتوقف هذه الرحمة عند حد الأصدقاء والأقارب والمودة الأسرية، إنما يجب أن تنصرف أيضا نحو العامة من الناس حتى ينال المرؤوس نصيبه من تراحم رئيسه، وينال الموظف التراحم بينه وبين زملائه في دائرة العمل وما يتصل بها، وكذلك كل العلاقات التي يجب أن يسود فيها التراحم، حتى يندفع الظلم ولا يتأتى الجفاء والخوف، فما جاء الخوف ولا دخل الظلم في شيء إلا وقد أفشى الفساد بين أهله، بل وتعدى إلى غير أهله، فيصيب الأسوياء الأمناء الشرفاء.
وهنا أذكِّر أن الإدارة فن، ومن فنونها تحري الدقة والحكمة في مجال العمل، وإجراء العدالة بين جميع المرؤوسين وإلا حلّ الظلم والعدوان والتعدي، ودبَّ التباعد والتقاطع بين العاملين.
وبناء على ما تقدم أقول:
إن التراحم الوظيفي أمر واجب في المؤسسات الرسمية حتى تؤدي دورها على النحو الأكمل وتحقق أهدافها على الوجه الأمثل، فما جاء العاملون ليتقاطعوا، ولا ليتباعدوا ولا ليتناكروا ويتخاصموا، وإنما جاءوا لتحقيق رسالة سامية وإنجاز أعمال جليلة، تسهم في نماء الدولة التي يحملون شعارها، ويتمتعون بسلطتها، وينتمون إليها، ويعيشون فيها، ويحملون جنسيتها ، هذا ما يجب أن يسود بين جميع المرؤوسين والرؤساء في المؤسسات الرسمية؛ تحقيقًا للتآلف والتراحم. يقول الشاعر:
وتأنَسُ النّفسُ في نفْسٍ تُوافِقُها بالفكرِ والطّبعِ والغاياتِ والقيمِ
والرُّوحُ لِلرُّوحِ تَدري مَن يُناغمُهَا كَالطَّيرِ للطير فِي الإنشَادِ مَيَّالُ
لا تَألفُ الرُّوحُ إلَّا مَن يُلَاطِفُهَا ويَهْجُرُ القَلبُ مَنْ يَقسُو وَيجْفَاهُ
عاشِر من الناسِ من تهوى طبيعتَهُ وما عليكَ ملامٌ حين تندفع
الحر للحرِ ميالٌ برغبتِهِ والنذل بالنذلِ مفتونٌ ومقتنع
والناسُ للناسِ والآفاقُ شاسعةٌ والطير قالوا على أشكالِها تقع.